الخميس، 25 ديسمبر 2014

رحلة إلى الربع الخالي (ج٤)

الجزء الرابع: مفاهيم عامية فصيحة ۱


كتب وصوّر: محمد اليوسفي


هذا الجزء الرابع، سيتبعه أجزاء أخرى أتناول فيها تفاصيل رحلة في الربع الخالي لا تخلو من المتناقضات والطرائف بل والغرائب، وسوف آتي عليها، لكن لأسباب موضوعية سأخصص هذا الجزء والجزء الذي بعده لأسماء أشكال وتكوينات الرمال ومعانيها. فهناك عدة مصطلحات لوصف تشكيلات الكثبان الرملية يشيع استخدامها بين عامة الناس خصوصا الذين ينتفعون من المنطقة في رعي الماشية ويتعايشون مع بيئاتها سواء كان ذلك في الربع الخالي أو الدهناء أو النفود الكبير أوغيرها من رمال المملكة.

وتبدو بعض المصطلحات بسبب استخدامها بين العوام كأنها عامية بينما يدلّ البحث عنها في معاجم اللغة على أنها فصيحة خالصة. وهنا أشير إلى أن أبرز وأول الكتب الحديثة التي اهتمت بتوثيق التعريف بمصطلحات الكثبان الرملية كتاب بحار الرمال في المملكة العربية السعودية للأستاذ الدكتور عبدالله بن ناصر الوليعي حيث أفردها في ملحق بعنوان المصطلحات المحلية للأشكال الرملية، وأتى بعده الشيخ عبدالله بن خميس - رحمه الله- حيث ذكر بعضا منها في مقدمة كتابه رمال الجزيرة (الربع الخالي)، ثم، بتوسع، تناولتها موسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية وتحديدا في جزئها السابع الخاص بالمعارف الجغرافية في فصل بعنوان الرمال. هذا كله قبل أن يصدر أخيرا عن هيئة المساحة الجيولوجية السعودية كتاب ثري بعنوان (الربع الخالي: بحر الرمال العظيم)
، لمؤلفيه محمد بن أحمد الراشد وعبدالله بن صالح العنيزان، وسوف أستعرض هذا الكتاب في جزء لاحق من هذه السلسة من زاوية هاجس شخصي عن خطر أتوقع أننا (حاليا) على مشارفه إذا دُشّن الطريق البرّي الذي يربط السعودية مع سلطنة عمان عبر الربع الخالي، فقد تقع (فئة) من الهواة المتهورين ضحايا إذا اتخذوا معلومات وخرائط هذا الكتاب مطية لاقتحام الكثبان وتجاهلوا ضوابط هامة جدا قبل الإقدام على المجازفة.

وأشير هنا إلى أن ما سأذكره في هذا الجزء (المصطلحات) سيكون خلاصة موجزة تعتمد على ما ورد في هذه المصادر مع ما جاء في معاجم العربية وأبرزها لسان العرب والقاموس المحيط ومقاييس اللغة.

أول المصطلحات ذات الارتباط بالربع الخالي كلمة فصيحة ذات دلالة تاريخية إذ سُمّي قديما الجزء الجنوبي منه بالأحقاف، ومفردها حِقْف، وفي القرآن الكريم سورة الأحقاف. والحقف - في لسان العرب - تجمع على أحْقاف وحقوف وحِقاف وحِقَفة، وهو ما اعْوَج من الرمل واستطال، قال الشاعر:

كأن عَزِيف الجِنّ في فَلَواتها
دُفُوف تَغَنّتْ للندامى بها الزُّط
إذا ما قطعنا حِقْفَ رَمْلٍ بَدا لنا
على إثره حِقْف من الرّمل أو سِقْط

فالشاعر خلال مسيره وسط ألسنة من الرمال المعوجة يشبه صوت أو عزيف الرمال - وهو ما كانت العرب تسميه (عزيف الجن) - بأصوات الطبول وغناء أعاجم (الزّط)، وسوف أخصص جزء (أنشره لاحقا) لما سمي بعزيف الجن أو طبول الجن في قصة الجنية حَمْدَة التي قيل انها تعترض المسافرين السائرين في الطريق الذي يربط مدينة نجران بمحافظة شرورة مخترقا أجزاء من الربع الخالي.

أكثر ما يعرف عامة الناس من المفاهيم التي تطلق على أشكال الكثبان الرملية كلمة (طِعْس، وجمعها طعوس أو أطعاس) وهي عامية أتت من كلمة فصيحة هي الدِّعص التي تعني قطعة من الرّمل مستديرة أو الكَثِيب منه المجتمع أو الصغير، ويكون الدِّعص أقل من الحِقْف، وتجمع هذه الكلمة على دِعَص وأدْعاص ودِعَصَة. ويعرف الطعس كمصطلح بأنه كثيب مجتمع من الرمل يكون مرتفعا بالتدريج في جانبه المواجه لاتجاه الرياح السائدة ويسمى هذا الجانب (الظهر)، أما الجانب الآخر فيسمى (اللهد) الذي يكون منحدرا بشدة بسبب أنه معاكس لاتجاه هبوب الرياح.

ومن المصطلحات التي توصف بها تشكيلات الرمال (العِرْق)، بكسرالعين وتسكين الراء، وجمعها عروق، وتعني عند العوام مرتفعات من الرمل ممتدة بنسق واحد، والمرادف لهذا الكلمة في معاجم اللغة العربية «حَبْل الرمل» والجمع حبال، وتستخدم كلمة العرق في الخرائط الطبوغرافية. وفي الربع الخالي هناك عروق بني معارض وعروق بني حمران وعروق الأوارك والعروق المعترضه. وإذا كان العرق(حبل الرمال) قصيرا يقال تصغيرا عريق.

وثمة عدة كلمات مترادفة المعنى، هي الخِبّ والخِبَّة والشِّقَة والشقيقة والفَلْق، وكلها أسماء تطلق على الأرض التي تقع بين حبلين «عرقين»، وغالبا لا تخلو هذا التكوينات من جواد القوافل والسيارات لأنها منخفضة مستوية غير وعرة. ويستخدم أبناء منطقة الربع الخالي لوصف هذا الشكل كلمة الشِّقَة، أما في الدهناء والنفود الكبير فتستخدم كلمة الخبة أو الفلق، وستجد كلمة الشقة في خرائط الربع الخالي. وتستخدم أحيانا الخبب أو الشقق القريبة من التجمعات السكانية في الزراعة بسبب قرب الماء من سطحها.

ومن المصطلحات المستخدمة بين أبناء البادية قولهم الصيهد والجمع صياهد وهي الأرض من الرمل تكون شبه مستوية وتضم الرمال الخشنة، وهي أيضا الأرض المنبسطة والمنخفضة عن المرتفعات الرملية. وتقل الشجيرات في الصياهد بينما تكثر فيها الأعشاب الحولية ولذلك تعد من الأراضي الرعوية التي يقصدها أصحاب الإبل في فصل الربيع. وكلمة الصَّيْهَد فصيحة لكنها تعني شِدّة الحَرّ، وقديما كان يطلق على جزء من الربع الخالي اسم صحراء صيهد.

أختم هذا الجزء بمصطلحات العَثَامير والدّكَاكَة والقَصِيمَة أو القصيم، فالعثمور وجمعها عثامير هي مناطق يقل فيها الرمل وتتميز بالوعورة بسبب وجود شجيرات تصدّ الرمال متكومة خلفها في الاتجاه المعاكس لهبوب الرياح، وهذا التكوين «العثامير» من البيئات التي تتخذها الزواحف - خاصة الثعابين - مأوى لها. ولم أجد أصلا فصيحا للكلمة مما يدل على هذا المعنى. والعُثْمُرَة في اللغة العربية هوالعِنَب الذي امتص ماؤه وبقي قشره.

أما الدّكَاكة فهي الرمل المنبسط الممتد على مساحة واسعة نسبيا، ويكون منبتا للشجيرات الصغيرة. والكلمة بهذا اللفظ عامية أصلها فصيح من الدّكُ والدّكَّة وتعني: ما استوى من الرمل وسهل، وجمعها دِكَاك، وأما القَصِيمَة وجمعها القصيم «فصيحة» تعني جزء من الرمال المتداخلة والمتفاوتة في الارتفاع والانخفاض التي «ينبت فيها شجر الغضا»، والمقصود هنا تعريف الكلمة كمصطلح لوصف تكوين من الرمال وليس القصيم المنطقة المعروفة في وسط المملكة.

يتبع: 
رحلة إلى الربع الخالي
(الجزء الخامس: مفاهيم عامية فصيحة ۲)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق