الثلاثاء، 9 سبتمبر 2014

الطيور في المثل والمفهوم الشعبي (ملَهّي الرّعْيان.. ملَاعْبَة الرّعْيان)

١٧- ملَهّي الرّعْيان.. ملَاعْبَة الرّعْيان

بقلم وعدسة: محمد اليوسفي
الرِّعْيان؛ تنطق بكسر الراء المشددة (عامية) أو الرُّعْيان بالضم (فصيحة)، جمع كلمة الرّاعي. ويُقصد الشخص الذي يخرج بالماشية في البرّيّة لترعى الأعشاب ويقوم أثناء ذلك بحراستها. وملهي الرعيان وملاعبة الرعيان (اسمان) دارجان (شعبيان) في عدة مناطق من المملكة لنوعين من الطيور أحدهما مهاجر والآخر محلي، لكن الاسمين يسريان مسرى المثل الشعبي. وثمة من يخلط بين دلالتيهما. وعلى أيّة حال فملهي الرعيان، أو كما يصفه البعض ب (مسهي الرعيان) نوع من الطيور المهاجرة ينتمي إلى ما يعرف بفصيلة السُّبديات ومفردها السُّبَد، ويمكن مشاهدته في الحقول الزراعية والبراري خلال عبور الطيور المهاجرة سماء المملكة وأرضها مرتين من كل عام، الأولى خلال أواخر يوليو وشهري أغسطس وسبتمبر وأوائل شهر أكتوبر والأخرى خلال أواخر شهر مارس وشهري أبريل ومايو. وهو بحجم الحمامة ويطلق عليه في حاضرة نجد اسم (لِبّيْد السَّحَا)، ويتميز بأنه ليلي المعيشة فيبقى في النهار على سطح الأرض خاملا لا يتحرك إلا إذا داهمه خطر فيطير لمسافة قصيرة ثم يحط فجأة وكأنه يسقط ويكرر تلك العملية كلما طارده أحد، لكن ليس من السهل مسكه باليد. وبسبب هذا السلوك كان الرعاة يطمعون في صيده فيلاحقونه وينسون مهمة حراسة الماشية ولهذا أطلق عليه (ملهي الرعيان)، وإذا استخدم هذا كمثل عامي فهو يضرب لوصف شخص, أو للانشغال بأمر، لا فائدة تجنى من ورائه على حساب إهمال ما هو أهم. ومن الطريف أن نسمع أخيرا أن بعضهم يصف شبكة التواصل "تويتر" بملهي الرعيان.

أما "مُلاَعِبَة" الرعيان فهو طائر محلي في المملكة، والاسم أو الكنية الدارجة الأكثر شهرة له (أم سالم)، ويكنى أيضا في بوادي من نجد (أم صالح)، قال الشاعر شقير بن عقيل العتيبي في سياق وصفه للأرض البرية التي يرغب التوجه إليها بعيداً عن صخب المدينة:
      ما فيها غير الطيور تصج وتلالي
      مع شقة النور والأصوات مسحوبة
     فيها أم صالح تجر الصوت موالي
      تطلع وتنزل تقول بسلك مجذوبة
       لا حصل فيها شبة نار ودلالي
       هذيك غاية مناي وكل مطلوبه

وفي مصادر التراث العربي يعرف الطائر باسم المُكَّاء، وأصلها من مَكا يَمْكُو مَكْواً ومُكاء أي صَفَرَ بفِيه. والمكاء تعني الصفير. وهو من الطيور البرّيّة المحلية الصغيرة التي لا تألف التجمعات السكانية، وينتمي إلى فصيلة القبرات، ويعرف في المصادر المتخصصة باسم القُبَّرة الهدهدية. ولدى جنس الذكر من هذا الطائر سلوك يمارسه غالبا في فترة التزاوج خلال فصل الربيع إذا يصفر بنغمات متقطعة مع طيران عمودي لعدة أمتار ثم يهوي على الأرض بشكل رأسي إلى قبيل ملامسة سطحها، والغرض من ذلك جذب الإناث وتحذير الذكور الأخرى من الاقتراب من منطقة نفوذه التي تكون في حدود مسافة كيلومتر تقريبا. وهذا المشهد الجميل يغري البشر ومنهم الرعيان بالنظر إليه وتتبع تنقله في المكان فينشغلون عن الماشية التي يرعونها، ولهذا أُطلق على أم سالم أو أم صالح أو المكاء (ملاعبة الرعيان)، وإذا استخدم هذا كمثل فإنه يضرب لمن يشغلك بالكلام المعسول عن أمر هام.


يتبع
١٨- إذا فرّ الصيد بان الحجل

الاثنين، 8 سبتمبر 2014

الطيور في المثل والمفهوم الشعبي (غاق وغرناق)

١٦- غَاق وغِرْنَاق

بقلم وعدسة: محمد اليوسفي

من الأمثال الشعبية يقال (غاق وغرناق) للدلالة على الأشياء المتضاربة إذا اجتمعت ولا يوجد رابط بينها. وفي شرحه للمثل قال الأديب الأستاذ عبدالكريم الجهيمان -رحمه الله- في كتاب الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب: (الغاق قد يكون صوت الغراب، وغرناق قد تكون أخذت من اسم الغرنوق). والصحيح أن الغرناق تعني الغرنوق لكن الأقرب في استخدام كلمة الغاق في المثل أنه قُصد بها طير أسود اللون مختلف عن الغراب، ويعرف لدى سكان الخليج العربي باسم اللوهه، وهو من الطيور المائية واسمه الغاق ويشبه الغرانيق في القوام والوقفة المنتصبة، وأحيانا يندس مع أسرابها في تجمعات الماء لكنه مختلف عنها حتى في الطباع والسلوك.

يتبع
١٧- ملَهّي الرعيان

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

الطيور في المثل و المفهوم الشعبي (طار الغراب وحطّ بالوكر غرنوق)

١٥- طار الغراب وحطّ بالوكر غرنوق

بقلم وعدسة: محمد اليوسفي

على النقيض من التشبيه بالغرنوق وبياض لونه، يقال (أسود من الغراب) للدلالة على شدة سواد الشيء، قال الشاعر دندن الفهيم في وصف شارب"شنب" ممدوحه:

شواربه ما دنقن يم الادناس
لا باول الشيبة ولا بالشبابي

لا دنقن يا تقل يشربن من كاس
ولا عرضن يشدن جناح الغرابي

وفضلا عن السواد ارتبط الغراب بالشؤم والفراق فيقال (غراب البين)، والبَيْن- فصيحة- تعني البعد والفراق. قال عنترة بن شداد:

عركت نوائب الأيام حتى
رأيت كثيرها عندي قليلا

وعاداني غراب البَيْن حتى
كأنّي قد قتلْت له قتيلا

وفي الاثنين، أي سواد الغراب وبياض الغرنوق، تسمع من يقول (طار الغراب وحط بالوكر غرنوق) للدلالة على ذهاب (فتوة) الشباب إثر تقدم العمر بتغير لون الشعر من الأسود"الغراب" إلى الأبيض"الغرنوق".

يتبع
١٦- غاق وغرناق

الطيور في المثل والمفهوم الشعبي (أبيض من الغرنوق)

١٤- أبيض من الغرنوق

بقلم وعدسة: محمد اليوسفي

في معرض الحديث عن وصايا الصيد، كان الكبار يحذّرون الصغار من طائر الغرنوق إذا أصابه الصياد ولم يمت، والتحذير هنا من خطر حقيقي فإذا أتى المبتدئ بالصيد ليمسكه حيّا فحينئذ سيحاول الغرنوق الدفاع عن نفسه بواسطة الهجوم بمنقاره الطويل وربما أصاب عين الصياد. وعلى أيّ حال الغرنوق لا يعتبر من طرائد الصيد المفضلة رغم شكله الجميل وهيئته المنتصبة، والأخيرة مع لونه الأبيض الناصع أكثر ما يشبه بها في انتصاب الشيء وبياض لونه. قال الشاعر محمد القاضي في وصف دلة القهوة:

ولقّم بدلة مولّع كنها ساق
مصبوبة مربوبة تقل غرنوق

خله تفوح وراعي الكيف يشتاق
الى طفح له جوهر صح له ذوق

وقال آخر يدعو ركباً إلى ضيافته مما لديه من القهوة و(تتن) السّبِيل، والسبيل عظم أشبه بالغليون:

يا ركب عوجوهن بروس المصاليب
شربة سبيل وجمرته ما رماها

ومراكيات كنّهن الغرانيق
بيض وسود جنوبهن من سناها

غير أن الغرنوق في المفهوم الشعبي أكثر ما ينصرف في التشبيه والوصف إلى شدة بياض الشيء فيقال (أبيض مثل الغرنوق).

يتبع
١٥- طار الغراب وحطّ بالوكر غرنوق، أسود من الغراب، غراب البين