٧- فلان طير ابن برمان للعقوق.. + مفاهيم الكَندَرة، وأبو حقب، والخَشَاش
بقلم وعدسة: محمد اليوسفي
(طير ابن برمان) من قصص الأدب الشعبي مختصرها أن ابن برمان صياد عثر على فرخ من الطيور الجوارح فأخذه وتعهده بالرعاية والإطعام، فلما اكتمل نموه وشعر أنه أحسن تعليمه على الصيد خرج به ذات يوم إلى البريّة وأطلقه على حبارى ظنا منه أنه سيتعقبها ويصيدها، لكنه حام ثم انقض على حيّة (ثعبان) وعاد إلى صاحبه وهو ممسك بها بين مخالبه وأسقطها على رأسه بدلا من الحبارى. ولهذا صارت قصة (طير ابن برمان) مضرباً للمثل في العقوق ولمن يجد عاقبة سيئة ممن يُتوقع أن يأتي بفعل حسن. وهذه أبيات لأب يبدو أنه عانى من عقوق ابنه؛ واسمه عيد، حيث شبهه بطير ابن برمان فقال:
يا عيد انا شيّبت والحيل بادي
هملتني يا بوك وعيالي صغار
يا عيد اشوفك في رداك متمادي
ما هوب لك مرة تراديد وامرار
غاذيك أبا صيدك ليالي الهدادي
يا طير ابن برمان يا ناقل الضار
كل غذى له طير واصبح وصادِ
وانا غذيت وصيدتي بس الاصفار
واللي قنص بالكندره ويش صادِ
وابو حقب ما ينقله كل صقار
وفي البيت الأخير ذكر الشاعر نوعاً من الطيور السيئة (في عرف الصقارين) هو (أبو حقب)، ونوعاً آخر من الطيور آكلة اللحوم هو (الكندرة)، فما هما؟
الكَندَرة اسم محلي (شعبي) لنوع من طيور البوم التي تعرف في المصادر العلمية باسم البومة العقابية. ويقال أيضا إن الكندرة اسم دارج لنوع من طيور الباز التي كانت تستعمل قديما في الصيد قبل أن يتركها الصيادون لما عرفوا أنها سريعة التنكر لأصاحبها. وكلمة الكَنْدَرَة في المعاجم (بالفتح في القاموس المحيط) والكُنْدُرة (بالضم في لسان العرب) فارسية تعني: ما غَلُظ من الأرض وارتفع، وكُنْدُرة البازي: مجثمه الذي يُهيّأ له من خشب. ومهما اختلفت أسماء البوم فهي طيور تعد - في ثقافتنا الشعبية - رمزا للشؤم والخراب والقبح. أما أبو حقب فهو نوع جارح "كبير الحجم" له ريش مختلط الألوان بين الفاتحة والداكنة، ويتميز بالتحليق والطيران معظم ساعات النهار أكثر مما تفعله بقية الجوارح، ورغم شبهه شكلا بالعقبان والصقور المميزة بالقوة والبطش بفرائسها فهو ليس مثلها في الجرأة والإقدام وسرعة الانقضاض، فيندر أن يصيد طريدة حيّة لنفسه. ولذلك يقال في المثل الشعبي (ابو حقب لا حصّل خير ولا سلم من التعب) لمن يسعى ويتعب في نيل مبتغاه ولكن دون تحقيق فائدة تذكر. وهناك مثل آخر يأتي بصيغة الاستفهام فقد يسأل أحدهم شخصا (صقر وإلا أبو حقب؟)، والمعنى هل النتيجة إيجابية أم سلبية فيما سعيت وتعبت وراءه. وبمناسبة الإشارة إلى الطيور "كبيرة الحجم"، فالعرب قديما كانت تصنّف الطيور بحسب علاقة الحجم بطبيعة المعيشة لعدة تصنيفات منها ما ذكر في مصادر التراث التي تبحث في علم الحيوان، فإجمالا هي إما (عتاق الطير كرامها) القوية كالعقبان والصقور التي تصيد لنفسها طرائد حية وتتصف بصفات جسمية تساعدها على البطش حين تقدم على الافتراس، وإما (بغاث الطير أو لئام الطير) الضعيفة وهي تلك الأنواع الكبيرة التي ليس لها مخالب معقفة كأنواع من النسور والغربان التي تتغذى بالرمم والنفايات وما يتبقى من لحوم فرائس السباع، وإما (خشاش الطير) وهي الأنواع الصغيرة التي ليس لها سلاح يمكّنها من الافتراس وهي غالبا تتميز بكثرة تناسلها. قال الشاعر:
خشاش الطير أكثرها فراخاً
وأم الصقر مقلاة نزور
والخشاش؛ تلك الكلمة التي أكثر ما أشيع استخدامها -مؤخرا- في سوق الأسهم (أيام طفرتها)، للإشارة إلى أسهم الشركات الضعيفة، وربما الوهمية، أو أسهم ذات قيمة متدنية، ولا يُعوّل عليها في الرهان على المكاسب، لها؛ أي كلمة الخشاش، في العربية معان عدة، منها؛ بحسب المعاجم، الخشاش: (الشّرار من كل شيء، وخص بعضهم بها الرديء وما لا يصيد من الطير). وعلى هذا المعنى فمصطلح الخشاش في سوق الأسهم، على طرافته، كان دقيقا في الدلالة.
يتبع
٨- فلان طير مْبَرقَع