الأحد، 31 أغسطس 2014

الطيور في المثل والمفهوم الشعبي (كَرْعَة قطاة)

١٢- كَرْعَة قطاة

بقلم: وعدسة محمد اليوسفي
حين نسمع بعض الأمثال الشعبية أول مرة؛ من كبار سن لم ينالوا حظّاََ من التعليم، ينطقونها بلهجتنا العامية، لا نتصور أن لبعضها جذور تعود إلى أمثال العرب قديما. ومن ذلك قولهم "كََرْعَة قطاة، أو شربة قطاة، أو شَرْبَة طير". فالكَرَع كلمة فصيحة تعني - في لسان العرب - ماء المطر عندما يجتمع في الأرض، أما إذا قيل كَرَع فلان في الماء؛ يَكْرَعُ والمصدر كُرُوعا وكَرْعا: أي تناوله بفمه من موضعه مباشرة من غير أن يشرب بكفّيه ولا بإناء. ولا يختلف هذا المعنى عن مفهومنا بالعامّية، وإن اختلف النطق قليلا. والقَطاة مفرد القَطا وهي من أحذر الطيور، وتحتاج إلى شرب الماء يوميا حتى لو طارت مئات الكيلومترات في بحثها عنه. ومن حذرها أنها تطير قبيل الاقتراب من تجمعات المياه، كسرب تراقب المكان، بل إن بعض أنواعها تبقى محلّقة فوق الماء على هيئة دوامة فتتناوب في النزول بحيث تحط الطيور من الأسفل وتشرب ثم تطير إلى أعلى الدوامة فينزل غيرها وهكذا. وحينما تحطّ القطاة على الأرض وتباشر الشرب فهي تأخذ حاجتها من الماء على دفعات سريعة دون أن تغفل عن مراقبة المكان أو سماع أصوات التحذير التي قد يطلقها السرب المحلّق فوقها فتكون محتاطة لنفسها من مباغتة الأعداء. ويضرب هذا المثل الشعبي "كَرْعَة قطاة" في قصر وقت إنجاز الأعمال مع الحذر من الوقوع في الأخطاء، أو لعموم قصر وقت الأعمال. وفي هذا المعنى والدلالة كانت العرب تقول (حَسْو طير)، قال الشاعر:

ما أذوق النّوم إلا غِرَارا
مثل حَسْو الطّير ماء الثّمَاد

و الغِرَار: القليل من النوم وغيره. والثِّماد هي الحُفَر يكون فيها الماء القليل. أما الحسو فمن حَسَا، وحسا الطائر الماء حَسْوا: شربه شيئا بعد شيء.

ومن بين القطا نوع كبير يعرف باسم الكِدْرِي أو الجُوْنِي، وهو المفضل عند معشر الصيادين، لكنه أشدها حذرا فلا يعود مرة أخرى إلى مصادر المياه التي وردها إن لم تكن آمنة من وجود الجوارح. ولا يقترب من الماء -رغم حاجته إليه- إذا كان البشر من حوله، ولهذا كان الصيادون قديما يتبعون طريقة طريفة حيث ينبطح الصياد قبيل شروق الشمس قرب الغدير المتوقع أن يأتي إليه القطا متدثرا (بمشلح) ومتجهزا ببندقيته ويراقب من فتحة صغيرة من أحد أكمام المشلح منتظرا الفرصة، فإذا حطّ السرب وتأكد الصياد أن القطا بدأ "بعد شرب الماء" بغطس الصدور والأجنحة بالماء كي يبتل الريش من أجل حمل قطرات يسقيها أفراخه، حينها يدرك الصياد الماهر أن القطا في لحظة ضعف فيخرج ويرميها فيصيدها سريعا كـ"كرعة قطاة".

يتبع:
١٣- يا صايد القارور لا تامن العمى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق