الاثنين، 18 أغسطس 2014

الطيور في المثل والمفهوم الشعبي (طير بَرّ٬ طير عْشَر)


۱-  "طير بَرّ... طير عْشَر"

 بقلم وعدسة: محمد اليوسفي

لقيس بن الملوح (قيس ليلى):
ألا أيّها الطير المحلّق غاديا
تحمل سلامي لا تذرني مناديا
تحمل هداك الله منّي رسالة
إلى بلد إن كنت بالأرض هاديا
إلى قفرة من نحو ليلى مضلة
بها القلب مني موثق وفؤاديا
 
ولعنترة بن شداد:
ناشدتك الله يا طير الحمام إذا
رأيت يوماً حُمُول القوم فانعاني
وقل: طريحاً تركناه وقد فنيت
دموعه وهو يبكي بالدّم القاني

لو بحثت في دواوين الشعر على مر العصور لوجدت أن كثيرا من الشعراء العرب بثوا الهموم والشكوى والمناجاة إلى الطير وبخاصة حين يجتاحهم الحنين أو الشوق أو الهيام أو ألم الفراق والبعد. حتى في الشعر الشعبي يبقى الطير حاضرا في ذات السياق، وللشاعر الفارس راكان بن حثلين؛ لما سجنه الأتراك في اسطنبول:

لا وا هني يا طير من هو معك حام
والا انت تنقل لي حمايض علومي
باكتب معك مكتوب سرّ ولا الام
ملفاه ربع كل ابوهم قرومي
ربعي ورا الصمان وانا بالاروام
من دونهم يزمي بعيد الرجومي

في تفاصيل الأنواع والحالات والأشكال هناك دلالات متعددة ومتباينة ترمز لها الطيور كالحرية والانطلاق والترحال والرقة والمسالمة والشؤم والفراق والقوة والشجاعة والإقدام والبطش واللؤم والجبن وغير ذلك٬ طبعا إذا استثنينا دلالات ومعاني كانت نتاج معتقدات منبعها الأسطورة والخرافة.

لعل هذه توطئة مناسبة لتناول كلمة الطير حين تضاف إلى كلمات أخرى أو تدخل وسط عبارات نسمع عنها في ثقافتنا المحكية ويقولها البعض في حواراتهم؛ فنكون في حقيقة الأمر، أمام مفاهيم وأمثال شعبية قد لا نفهم دقة معانيها ودلالات استخدامنا لها وربما لا نتصور أن بعضها فصيح الأصل. فأنت قد تسمع مثلا بـ(طير برّ، وطير عشر، وطير سعفة، وطير عشا، وطير ذرة، وطير شلوى، وطير مبرقع، وطير حوران، وطير سنجار، وطير غيمار، وطير الفلاح، والقطامي، وطير الهداد، وطيرة الحمرة، وشربة طير أو شربة قطاة، وطيور سدرة أو عصافير سدرة، وملهي الرعيان، وملاعبة الرعيان، وطير عند باب المفرخة، وغراب البين، والرّخمة). فماذا تعني هذه المفاهيم والأمثال الشعبية؟
هذا ما سأجيب عنه بأجزاء متسلسلة تقوم على معالجة تمزج بين الموروث أو المأثور الشعبي، والمعلومة المستندة إلى المصادر العلمية، والصور المعبّرة التي يمكن أن تعين على فهم المعنى و الدلالة.

طير بَرّ وطير عْشَر مثلان شعبيان متناقضان في المعنى، فمن المألوف بين سكان السعودية، خاصة في منطقة نجد، قولهم عن شخص ما بأنه (طير بَرّ) للدلالة على معرفته بالدروب والمسالك وحسن التصرف، وقد انصرف المثل مؤخراً للإشارة إلى أولئك الهواة من محبي الصيد والرحلات البرّيّة فيقال عن الواحد منهم (طير بَرّ) للدلالة على طول الفترة التي يقضيها في البرّيّة٬ وهذا يقتضي بالضرورة أن يكون (دليلة). وفي المقابل يقال في الأمثال (طير عْشَر)٬ ويقصد بالعُشر تلك الشجرة البرّيّة التي لا يقع عليها أو يقترب منها من الطيور إلا الضعيفة والصغيرة بسبب أن عيدانها هشة وليس فيها بذور وثمار تصلح كغذاء للطيور. وعندما يقال إن فلاناً (طير عْشَر) فهو ضعيف يعوزه حسن الاختيار والتدبير، على العكس تماماً من صفات (طير البرّ).

يتبع..

  ۲- طير سعفة... عصفور على خوص

هناك تعليق واحد:

  1. xlntrade نصب، تعد شركة Xlntrade هي منصة خاصة بالتداول وتجارة الفوركس

    ردحذف